مجنون آخرفي الشارع
- Yasmin Boumalak
- 23 janv. 2024
- 2 min de lecture
Dernière mise à jour : 21 janv. 2024
يوم الاثنين, شارع ديدوش مراد مكتظ بالناس, هكذا هو الحال في أي يوم وفي أي ساعة. ألا يعملون؟ أليس لديهم شغل يشتغلون به؟
كنت أسرع في المشي, ليس فقط لانني كنت متأخرة عن موعدي ولكنني كنت أحاول ان لا اهتم بعبث الشبان الذين احتلوا باب كل عمارة.
"مادموزيل, مادموزيل, الله يبارك, واش؟ تتكبري علينا؟ كاين حاجة برك.. خير لوكان ديري ريجيم راهو سروالك قريب يكسبلوزي! – آنسة، آنسة كم انت جميلة, ماذا؟ لا تتكلمين معي؟ انك تتكبرين علي لابأس ولكن يلزمك أن تنقصي من وزنك. . . فسروالك يكاد أن ينفجر. . .وتليها ضحكات. لماذا اخترت هذا الطريق كان علي أن امر بشارع آخر. أحاول أن لا أنصت اليهم, أن لا أنظر اليهم, و أن لا أرد عليهم فهذه لعبتهم وقد سئمت من كوني جزءًا منها.
أتظاهر باللا مبالاة رغم أن سماع هذه السخافات تزيد من تعاستي. كم تمنيت وحلمت أن اتوجه اليهم وأصفعهم الواحد تلوالاخر. انهم يلعبون كالاطفال ويظنون أنهم رجال, سيصعدون على الساعة الثانية عشر ليقتاتوا وجبة الفطور التي اعدتهم لهم أمهم. لن يشكروها بل سيهرولون من جديد إلى مرصدهم: باب العمارة. يراقبون المارة, فلانة التقت بفلان, فلان دخل ذاك الدكان ... حتى يحل وقت قهوة المساء ويليه وقت العشاء. أطفال وفي عمرهم ثلاثون سنة, بل أكثر! فاشلون! يملأون فراغ حياتهم بما يجري في حياة الآخرين فيزداد الفراغ فراغاً. هكذا كنت أنظر أمامي متوجهة إلى ساحة أودان حتى شبه لي وكأن الناس يفسحون لي الطريق.. لا بل أنهم يتفادون شخصاً غريب يتقدم جهتي.. كان يتكلم وحده والذباب يدور حول وجهه وكان ثيابه موسخ ومقطع...آه مجنون، مجنون آخر في الشارع...نظرت إلى وجهه وتيقنت انني أعرفه...
ذهبت بي الذاكرة إلى أول يوم لي في المدرسة. ربما كان الطقس مشمساً ولكن أتذكره شاحباً وتعيسا. كانت المعلمة ملهمة بضربنا الواحد بعد الاخر بمسطرة سميكة من حطب, اليد اليمنى ثم اليسرى.
كنا جالسون في القسم صامتون مربعي أيدينا. ننتظر.
هناك صوت خفيت, صوت طفل يبكي أتذكر إسمه قايد. نظرت إلى وجه هذا المسكين أنتظر دوري برعب, قايد جالس في الصف الأول من القسم يمسح دموعه بأكمام مئزره. ولما أتمت المعلمة مهمتها وقفت امامنا وقالت: " الآن تعرفون ذوق العقاب, ويل لكل من يتجرا في الكلام والشغب"
يالها من طريقة غريبة من إستقبال تلاميذ جدد وجعلهم يحبون المدرسة... هكذا كرهنا هذه المعلمة وكرهنا الذهاب إلى المدرسة البعض منا واضب وأتم دراسته والبعض الأخر لم يستطع. أتذكر أن قايد طرد من المدرسة الابتدائية بسبب سلوكه الغير الملائم وماذا عن سلوك هذه المعلمة؟ من الأكيد أن هذا ليس سبب جنون قايد ولكن ربما كان من الممكن أن تسير الأمور بشكل مختلف لو كانت المعلمة أكثر إنسانية.…
وصل قايد المجنون مستواي وفجاةً نظر إلي وبصق في وجهي ثم مضى طريقه وكأن شيئًا لم يحدث.
وقفت في وسط الشارع مع أفكاري المشوشة حتى سمعت أحد الشبان الواقفون أمام باب العمارة يقول" الله غالب إنه مجنون" لم يكن يضحك أو يسخر مني بل كان يمدني منديلًا لأمسح وجهي. شكرته وأخذت المنديل واضاف وهو يعطيني منديلاً ثانياً "الله غالب مهبول، عندك ازهر ما خبطكش، الخطرة الجاية غير بدلي طريق - انك محظوظةٌ فإنه لم يضربك, كان عليك أن تاخذي طريقاً أخر".
صحيح, لماذا اخترت شارع ديدوش مراد المكتظ كان علي أن امر بشارع أخر.
مسحت وجهي وفي نفس الوقت مسحت حقدي على هؤلاء الشبان لعل تجربتهم في المدرسة دفعتهم إلى الفشل.
ياسمين بوملاك
ياسمين من مواليد 1978, التحقت بثانوية عمر راسم بالجزائر العاصمة ثم تابعت دراستها بالمعهد الوطني للتجارة ببن عكنون وهي تعمل حالياً في مجال الإحصائيات.